طرابلس 10 مايو 2025 (الأنباء الليبية) – أغرق تجار الأزمات والحروب والصدفة وناهبو المال العام والاعتمادات السوق الليبي بعشرات الأصناف من البضائع المقلدة من شتى أصقاع العالم، تشمل المواد الغذائية والأدوية والملابس والمعدات الكهرومنزلية والإلكترونية ومواد البناء وغيرها من المنتوجات التي تمس حياة السواد الأعظم من الليبيات والليبيين، خلال السنوات العشر الماضية.
وعادت هذه المواد بالوبال على المستهلكين الليبيين من ذوي الدخل المحدود، وهم الأغلبية الصامتة الفقيرة رغم أن بلادنا تسبح على بحيرات من النفط والغاز، وأثرت سلبا على صحتهم وصحة أطفالهم وعلى ميزانياتهم الهشة التي لا تكاد تلبي احتياجاتهم اليومية في أدنى مستوياتها.
ورصدت مراسلة لصحيفة (الأنباء الليبية) تجولت في سوق المهاري بزاوية الدهماني في طرابلس، عشرات الأصناف من المواد الغذائية منها على سبيل المثال 47 نوعا من معجون الطماطم، 12 نوعا من الزيوت النباتية، 21 نوعا من المكرونة، 40 نوعا من الأرز، 130 نوعا من الأجبان، 34 نوعا من الحليب المبستر، 100 نوع من التن، 85 نوعا من الزيتون المعلب، 23 نوعا من المربى، 65 نوعا من الشامية، 24 نوعا من الشكلاطة السائلة، 17 نوعا من القهوة سريعة التحضير، 24 نوعا من الهريسة، عشرات الأنواع من المايونيز والكاتشب، وعشرات الأنواع من مواد التنظيف والصابون الصلب والسائل ومساحيق الغسول والشامبوات وما إليها، 80 في المائة منها مستوردة من دول شرق آسيا، على رأسها الصين، و20 في المائة موادها الخام مستوردة تمت تعبئتها وتغليفها في ليبيا.
وقال محمد إبراهيم (مهندس متقاعد بمرتب شهري لا يتجاوز 900 دينار، لم يُدركه جدول المرتبات الموحد الذي عصفت به السوق السوداء) إن البضائع المستوردة من دول شرق آسيا وبخاصة الصين وتايوان، يغريك رخصها لكنها في الواقع تخذلك بسرعة.
وأضاف ليدلل على ذلك أنه اشترى قفلا من صنع إيطالي لباب الحماية في منزله بأقل من 10 دينارا، وعندما تعطل بعد حوالي 20 عاما من الاستخدام، توجه إلى محل متخصص فوجد عشرات الأنواع من الأقفال من الصين وتايوان تتراوح أسعارها بين 20 و38 دينارا في حين وصل سعر القفل الإيطالي إلى 150 دينارا، فقرر، لضيق الحال، شراء القفل الصيني بناء على نصيحة من صاحب المحل، وكان جميلا وبراقا، بـ 35 دينارا، إلا أنه تعطل بعد ثلاثة أسابيع فقط، وندم أشد الندم على عدم شراء القفل الإيطالي بـ 150 دينارا ليعيش معه 20 عاما أخرى.
يتهافت ذوو الدخل المحدود على البضائع المقلدة التي تغرق معظم أسواق دول العالم الثالث ومن بينها ليبيا، نظرا لرخص أسعارها وملائمتها لدخلهم إلا أنهم في واقع الأمر يقعون ضحايا لرداءة المنتج المقلد ويضطرون لدفع مبالغ أضعاف سعر المنتوج الأصلي مع الأيام.
قال رئيس مجلس إدارة المنظمة الليبية للحوكمة، عبد الرحيم الشيباني إن تكدس البضائع في السوق الليبي، يعود لأكثر من سبب إلا أن السبب الأكبر يكمن، بحسب رأيه، في سوء السياسات الاقتصادية وفشل دور وزارة الاقتصاد في تحديد السلع ومواسمها وكمياتها ما يُسبب ضياع موارد الدولة الليبية من العملة الصعبة وتآكلها.
وأضاف في تصريح لصحيفة (الأنباء الليبية) أن الكثير من التجار يرون في السلع الغذائية نوعا من الأمان لضمان المكسب على اعتبار أن هذه السلع هي المطلوبة وبالتالي يتجهون للمتاجرة فيها غير أنه رأى أن هناك دخلاء على المهنة يحاولون بأي شكل من الأشكال تحريك أموالهم، وآخرين يعملون على غسيل أموالهم، خاصة أولئك الذين تحصلوا على أموال بطرق غير مشروعة في شكل عمولات أو اعتمادات ويحاولون بأي شكل من الأشكال إعادة هذه الأموال إلى البلاد في شكل بضائع.
وأكد الشيباني أن أرفف الدكاكين وأسواق “السوبر ماركت” و”المولات الكبيرة” تعج بعشرات الأصناف من المواد الاستهلاكية المستوردة بعشرات العلامات والمسميات منها ما يأتي في شكل عبوات جاهزة وأخرى تأتي في عبوات وأكياس كبيرة يتم إعادة تعبئتها وتغليفها في ليبيا للبيع بالتجزئة ما يجعل المواصفات المرسومة على غلاف تلك العبوات مشكوكا فيها.
واستطرد بالمناسبة أن الاعتمادات التي يتم فتحها لاستيراد المواد الاستهلاكية وغيرها من المواد لا تخضع للتدقيق ولا لاحتياجات السوق المحلي وتشكل استنزافا خطيرا للموارد الليبية المتأتية من تصدير النفط والغاز، مؤكدا أن الكميات المستوردة مُبالغ فيها ما يؤشر على أن تلك الاعتمادات ليست إلا وسيلة لتهريب الأموال وإعادتها لتغذية السوق السوداء، وأن المواد الاستهلاكية الأساسية والمواد الإلكترونية والكهرومنزلية تتسرب إلى أسواق الدول المجاورة بشكل كبير وتُستغل في تجاره العملة.
وأعرب رئيس مجلس إدارة المنظمة الليبية للحوكمة عن أسفه لغياب الدولة بكل أدواتها عن مراقبة السوق الليبي ومتابعته وحماية المستهلك، مؤكدا في هذا الصدد أن منظومة الجمارك ووزارة الاقتصاد والمؤسسات ذات العلاقة تعمل بشكل منفصل بدون أي تعاون ولا تنسيق والثمن يدفعه المواطن.
وفي نفس السياق، كتب الشيباني ساخرا في إدراج على صفحته الرسمية على فيسبوك: ” استنادا إلى بيانات مصرف ليبيا المركزي بشأن الاعتمادات التي أصدرها لاستيراد المواد الغذائية وغيرها، فإننا نستنتج ببساطة أننا أمام أحد أمرين، إما أن ليبيا تغذي قارة أفريقيا أو أن هناك قصة كبيرة مسؤوليتها تقع على عاتق المصرف المركزي والمنافذ”.
وشجع غياب الرقابة وحماية المستهلك في ظل استشراء الفساد الذي يعم البلاد تجار الأزمات والحروب على استيراد البضائع المقلدة التي لا توفر أية ضمانات صحية وتضرب الاقتصاد الوطني في مقتل، علاوة على الحاق فادح الأضرار بالبيئة والمحيط، وتزيد من عدد العاطلين عن العمل حيث تعطلت معظم الصناعات التي كانت قائمة في البلاد ولم يتشجع رجال الصناعة على فتح مشاريع صناعية صغيرة ومتوسطة يمكنها استيعاب الكثير من العاطلين عن العمل خاصة في صفوف الشباب لاستحالة المنافسة مع المنتوجات المقلدة المستورة من أسواق جنوب شرق آسيا والصين، والمصانع القليلة القائمة اليوم عبارة عن مجمعات لاستيراد المنتوجات الغذائية الخام في عبوات كبيرة يتم تعبئتها وإعادة تغليفها محليا، ومعظم العاملين فيها من العمالة الوافدة.
وفي رده على سؤال لمراسلة صحيفة (الأنباء الليبية) حول تقييمه كرب أسرة لوجود بضائع كثيرة وأصناف عديدة من المواد الاستهلاكية التي تُغرق السوق الليبي، منها على سبيل المثال، أكثر من 75 نوعاً من التونة، رأى محمد عبد السلام (مهندس اتصالات 35 عاما، أب لثلاثة أطفال)، أن العدد الكبير لأنواع التونة الموجودة في السوق الليبي وأسعارها مقارنة مع بلد المنشأ تبعث عن الريبة والشك.
وأضاف “لو أخذنا أول 10 أصناف، الأكثر شهرة وإقبالا، في السوق الليبي، بدون ذكر الأسماء حتى لا نعمل لها دعاية مجانية، وقارنا أسعارها في السوق الليبي وفي السوق الأوروبية حيث بلدان المنشأ وفق ما هو مسجل عليها، اسبانيا وإيطاليا، وبريطانيا، سنجد أن الفارق كبيرا في السعر ما يجعلك تشعر بأن هذا المنتج مشكوك فيه والمواصفات المكتوبة على غلافه وهمية”.
وتساءل: “هل يعقل أن علبة تونة (160 غرام) تباع في ليبيا بـ 25 دينارا وفي بلدها تباع بـ 7 و8 يورو… ولو قمنا بعملية بسيطة استنادا إلى سعر الصرف الحالي سيكون أقل سعر لنفس العلبة من نفس المنتج ما بين 80 و90 دينارا ما يؤكد أن هذا المنتج لا يأتي من مصدره الرئيسي وبلد المنشأ، بل من جهات أخرى غير معلومة ويتم تغليفها في أمكان أخرى”.
واستطرد أن معظم علامات التونة في السوق الليبي مصدرها شركات من تايلاند ويُستخدم فيها واحد من أسوأ أنواع سمك التونة. نحن نعرف أن تونة البلوفين واليولوفين هي من أشهر الأنواع في البحر المتوسط، وهناك أنواع أخرى معروفة في العالم لا يحبذها المستهلكون يتم اصطيادها قريبا من السواحل ولكن يقبل عليها ذوو الدخل المحدود في ليبيا لرخص أسعارها رغم أنها تحوي مواد مسرطنة ولا تمر على الأجهزة الرقابية نظرا لاستشراء الفساد، ولا تتوفر فيها مواصفات المنتج الأصلي”.
ويرى الخبراء أن السلع المقلدة، وخصوصا الغذائية والكهرومنزلية والإلكترونية، من كافة دول العالم تُباع في الأسواق الليبية بسهولة، رغم أنها لا تتقيد بالمواصفات القياسية الليبية ولا بالمواصفات الدولية، وتلك التي تُستورد في عبوات كبيرة ويتم إعادة تعبئتها وتغليفها في عبوات صغيرة في مصانع خاصة غير مرخصة في المزارع المحيطة بمنطقة الكريمية (جنوب طرابلس)، ويتم تسويقها بالتجزئة، لا تخضع لأية رقابة غير أن المستهلكين يتجهون إليها مضطرين نظرا لرخص ثمنها دون السؤال عن جودتها، والنتيجة انتشار الكثير من الأمراض المتصلة بالتغذية في البلاد. (الأنباء الليبية طرابلس) س خ
-متابعة ورصد وتصوير: ساسية اعميد – أميرة التومي