بنغازي 06 يونيو 2025 (الأنباء الليبية) -في أحد الأزقة، يجلس سالم على كرسي من اللدائن، قرب كبش ضخم يثغو، وسط مشهد يومي يتكرر مع كل عيد أضحى، وتتراكم قشات التبن على الطريق، وتُسمع طقطقة الفحم من بعيد، في أجواء تعلن بدء موسم المهن المؤقتة.
يقول سالم: “عيد الأضحى.. نحن نرجعو نعيشو من جديد”، في إشارة إلى عمله الموسمي الذي يعد مصدر دخله الأساسي في هذه الفترة، مهن ترتبط بالعيد وتنتعش مؤقتًا، لكنها تعيد الروح لأشخاص يعيشون فترات طويلة من البطالة أو الركود المهني.
-سكاكين مشحوذة: العم رمضان يحكي
على رصيف آخر، يجلس العم رمضان، رجل في الستين من عمره، يشحذ السكاكين على آلة يدوية منذ أسبوعين. يقول: “هذا دخل إضافي في موسم العيد. لا أملك ورشة، لكني أخرج لكسب رزقي. الناس تأتيني من كل الأحياء، رغم انتشار المهنة مؤخرًا، لكنها لا تزال تحتاج مهارة”.
يشير العم رمضان إلى أن عيد الأضحى هو موسمه السنوي الوحيد، حين يعود إلى مهنته القديمة ولو لأيام معدودة.
-مهنة الجزار: عماد بين النجارة والذبح
غير بعيد، ينظف “عماد”، شاب ثلاثيني، أدواته داخل خيمة أقامها على الرصيف، يقول: “أنا نجار في الأيام العادية، لكن في العيد أتحول إلى جزار. تعلمت المهنة من والدي، وزبائني يعرفونني وينتظرونني كل سنة”.
أسعار ذبح الأضحية تتراوح بين 150 إلى 200 دينار، وقد تتجاوز ذلك لدى بعض الجزارين. عماد يعمل طيلة أيام العيد، ويؤجل أضحيته إلى اليوم الثالث.
يضيف مبتسما: “العيد مصدر دخل مهم، يغطي جزءا من التزامات عائلتي”.
-التوابل والفحم.. رزق العائلات
في طرف السوق، يفترش الطفلان أسامة وفرج الأرض بقطعة من الورق المقوى مليء بالتوابل: الحرارات، الفلفل الأحمر، الكركم، وخلطات العصبان.
يقول أسامة: “والدتنا تصنع التوابل يدويا، وهذا موسم البيع. نبيع في العيد ما لا نبيعه طوال السنة، الناس تفضل التوابل التقليدية خاصة للمشاوي والعصبان”.
ورغم حرارة الشمس، يصر الطفل على الترويج لبضاعته قائلا: “الخلطة السحرية للمشوي الأفضل عندي وبس!”.
-تنظيف “الدوارة”: مبادرات نسائية
في أحد الإعلانات على فيسبوك، كتبت سيدة: “تنظيف الدوارة يبدأ من 50 دينارا، مع توصيل مجاني بعنصر نسائي”.
تقول صاحبة المبادرة: “أعمل مساعدة تجهيزات في مطبخ شعبي، والعيد فرصة للعمل، كثير من الفتيات لا يردن تنظيف الدوارة. نترك أطفالنا لنكسب رزقًا إضافيا”.
المبادرة تظهر جانبا غير مرئي من الجهد النسائي خلال العيد، في ظل طلب مرتفع على خدمات تجهيز الأضحية منزليا.
-شباب بأدوار جديدة: نظافة ما بعد الذبح
في ظل ارتفاع الطلب على خدمات النظافة بعد الذبح، وجد “علي” ورفاقه فرصة للعمل. يقول: “نقدّم خدمات جمع وتنظيف بقايا الذبح مقابل أجر حسب المكان، سواء داخل البيوت أو في الأحياء الشعبية”.
يضيف: “لا عيب في هذا العمل. نساعد الناس ونجمع بعض المال. العيد رزق للجميع”.
يعمل هؤلاء الشباب بأدوات بسيطة وقفازات مستهلكة، وسط روائح الدماء والحركة الكثيفة في الأحياء.
-عيد الأضحى.. وجه آخر للرزق
لا تُعد هذه المهن مؤقتة فحسب، بل هي جزء من ذاكرة اجتماعية واقتصادية تعود كل عام، عيد الأضحى يحوّل الشوارع إلى ورش وأسواق، ويمنح الفرص لمن لا عمل دائم له.
من الجزار إلى شاحن الفحم، ومن بائع التوابل إلى شاحذ السكاكين، تصبح هذه الشخصيات محورية في حياة المجتمع، وإن لوقت قصير.
هذه الأيام تذكر كثيرين بأن الرزق قد يأتي من حيث لا يُتوقع، حتى لو من خلال سكين تم شحذها بعناية، أو خلطة بهارات صنعتها أم لأطفالها. (الأنباء الليبية) س خ.
-اعداد: هدى الشيحي