الكفرة 22 مايو 2025 (الأنباء الليبية) -كان صوتها، الذي أنهكه العطش والجوع، يخبو وسط سيارة الإسعاف التي هرعت لنجدتها، بعد أن علقت في الصحراء الليبية لأزيد من سبعة أيام، التحفت فيها برمالها الساخنة التي كادت أن تبتلعها هي وأطفالها الخمسة، ضمن مجموعة من اللاجئين السودانيين.
رحمة محمد (30 عامًا)، نالت اليوم من اسمها نصيبًا، بعد أن صادف مرور شاب ليبي صحراء الكفرة، حيث لمح سيارة متوقفة، وقام بنجدة هؤلاء اللاجئين.
وأبلغت رحمة مراسلة صحيفة الأنباء الليبية، التي تواصلت معها هاتفيًا، وهي في سيارة الإسعاف التي كانت تقلها إلى مستشفى الكفرة، أنها غادرت السودان إلى ليبيا مع أطفالها هربًا من ويلات الحرب، مؤكدة أنها كانت ستغادر بلادها قبل ذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بحثًا عن حياة أفضل.
وقالت، واصفة بصوت تقاذفته عبارات الحزن والفرح: “تعطلت السيارة التي كانت تقلنا وسط الصحراء، على مشارف مدينة الكفرة، وكادت أحلامنا بتحسين أوضاعنا المعيشية أن يبتلعها بحر الرمال، ونجونا من موت محقق”.
وتابعت:” نفد منا الأكل في اليوم الثاني، واحتفظنا بجرعات من الماء للأطفال، وفي اليوم الثالث أو الرابع دخلنا في حالة هذيان، وبدأ السراب يتراءى لنا كأنه ماء، وامتصصنا الرمال، وقد نكون أكلناها.
وتحدثت رحمة عن أصعب اللحظات التي عاشتها مع أبنائها وسط الصحراء، فقالت: “ضممت أطفالي إلى صدري، عندما أحسست بدنو أجلي، وسمعت وأنا في حالة من الوهن الشديد أحد أبنائي يقول: “سامحيني يا أمي، إن متِّ، سأموت معكِ”.
واستطردت رحمة في سردها لمأساتها التي كادت أن تودي بحياتها وحياة أطفالها: “لجأنا إلى استخدام الأغطية لتقينا لفحات الشمس منذ بزوغها، إلى ما بعد العصر، حيث يميل الطقس إلى الاعتدال، فنتنفس الصعداء، وضللنا على هذه الحالة من اليأس والخوف حتى اليوم السابع، عندما اكتشفنا الشاب الليبي محمد الزوي، الذي يعود إليه الفضل، بعد الله، في إنقاذنا”.
وروت المهاجرة السودانية حالة الفزع التي استولت على ركاب السيارة، وكيف انهمرت دموع الخوف والفرح في عيون الأطفال، وتعالت أصوات الكبار بالتكبير عند سماع أزيز محرك سيارة الإنقاذ وهي تقترب منهم.
وقال محمد الزوي: “عندما كنت عائدًا من السودان، بعد أن أنهيت معاملات تجارية، لفت انتباهي لون أحمر وسط الرمال، وعند الاقتراب منه، وجدت نساءً وأطفالًا في حالة الاحتضار، فهرعت لإسعافهم، حيث بللت مناديل، ورششت وجوههم وأجسادهم بقليل من الماء.
وتابع الزوي في حديثه للأنباء الليبية، أن إحدى السيدات أبلغته بأن باقي الركاب، وهم (11) رجلا، قد غادروا لمحاولة البحث عن وسيلة للإنقاذ، بعد أن ربطوا أيديهم ببعضها البعض، حتى لا يتيهوا في رمال الصحراء، فانطلقت وراءهم لأقتفي أثرهم لمدة ست ساعات، إلى أن وجدت سائق السيارة المعطوبة ملقى فوق أحد الكثبان الرملية.
واستطرد قائلا: ” أصعب لحظة عشتها على خلفية هذه المأساة، كانت عند عثوري على باقي الركاب، وقد حفروا قبورهم، وهم في حالة من اليأس الشديد”.
وأفاد رئيس جهاز الإسعاف والطوارئ بالكفرة إبراهيم بالحسن، وكالة الأنباء الليبية في هذا الصدد، أن حالات الضياع في الصحراء تضاعف مؤخرا، بعد تدفق اللاجئين السودانيين إلى ليبيا بالآلاف عبر المسالك الصحراوية.
وأشار إلى أن الجهاز نفذ حوالي 50 عملية إنقاذ لسيارات كانت تقل مهاجرين تاهوا في الصحراء.
ويُقدَّر عدد المهاجرين غير الشرعيين الموجودين على الأراضي الليبية ما بين (2.5 و3.5) مليون مهاجر، أكثر من ثلثيهم، بحسب إحصائيات غير رسمية، يعملون ويقيمون في ليبيا، التي تُعد دولة استقطاب وعبور، ويحولون أموالهم إلى أسرهم في العديد من الدول الأفريقية جنوب الصحراء، فيما تحاول القلة منهم القفز إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، حيث “الألدورادو” الأوروبي المزعوم. (الأنباء الليبية الكفرة) س خ
-اعداد: فاطمة الورفلي