القاهرة 31 مارس 2018 (وال)- ألقت زيارة رئيس السودان عمر البشير إلى القاهرة أواخر الشهر الجاري، الضوء على التحولات التي تشهدها سياسة السودان الإقليمية ، حيث أثارت عددًا من التساؤلات المرتبطة بأهم نتائج وأهداف الزيارة ، في سياق التحول الذي تشهده سياسة السودان ، خصوصًت تجاه تيارات الإسلام السياسي في الإقليم.
مباحثات مصرية سودانية
هذا وأجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي محادثات مع نظيره السوداني عمر البشير لبحث العلاقات الثنائية ومتابعة خطوات اللجنة السياسية والأمنية بين البلدين ، إلى جانب تعزيز المصالح المشتركة في ظل الحفاظ على خصوصية القضايا الداخلية لكل دولة.
وناقش الرئيسان عمل اللجان الخاصة بتعزيز التجارة والهيأة الفنية لمياه النيل ، واللجنة القنصلية والعسكرية ولجنة المنافذ الحدودية ، إلى جانب لجنة التشاور السياسي على مستوى وزيري الخارجية ، لإزالة أي تحديات تعيق العلاقات بين البلدين.
إعداد للجنة مشتركة
واتفق الطرفان على الإعداد لعقد لجنة مشتركة برئاسة الرئيسين في الخرطوم خلال العام الجاري.
ومن جهته أكد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية السفير بسام راضي، على أهمية زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى القاهرة مشيرا إلى أنها تأتي في وقت دقيق جدًّا.
وأضاف السفير راضي في تصريحات إعلامية أن الزيارة تعد امتدادا للقمة التي جمعت الرئيسين عبد الفتاح السيسي وعمر البشير في الثامن والعشرين من يناير الماضي على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا.
وأعرب عن أمل مصر في أن يكون هناك تفعيل للعلاقات الثنائية خاصة وأن هناك كثير من الجوانب المشتركة بين البلدين يجب استغلالها.
وأشار السفير راضي إلى أن مصر دائما تمد يد التعاون والعمل الجماعي ، وأن الغرض من أي تباحث يهدف إلى المصلحة المشتركة مع الطرف الآخر في إطار من الاحترام المتبادل.
رؤية مصرية سودانية مشتركة
وبدوره قال عضو مجلس النواب المصري النائب محمد إسماعيل: إن زيارة رئيس السودان إلى مصر تعكس روحا إيجابية بين البلدين ، كما تعكس رؤية مصرية سودانية مشتركة للتحديات التي تجابه القاهرة والخرطوم معًا.
ولفت إسماعيل في ـ بيان له ـ إلى أن زيارة البشير قطعت كل الألسنة التي تشيع تردي العلاقات المصرية السودانية أو وجود عقبات ومشكلات تواجهها.
وأضاف إسماعيل أن لقاء الرئيس المصري للرئيس السوداني أكد على أهمية العلاقات الأولية والروابط المشتركة التي تربط بين شعبي وادي النيل، وإدراك البلدين للشراكة الإستراتيجية بينهما، وأهمية تطويرها وتعزيزها بشتى السبل.
توتر العلاقات
يشار إلى أن العلاقات المصرية السودانية قد شهدت توترا أدى لاستدعاء الخرطوم سفيرها بالقاهرة للتشاور في بداية شهر يناير ، وذلك على خلفية تعثر المفاوضات حول مشروع سد النهضة الأثيوبي، والنزاع على أحقية البلدين في منطقة “حلايب وشلاتين” الحدودية، ووجود عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر على الأراضي السودانية.
وفي ذات السياق تعد زيارة الرئيس السوداني للقاهرة ذات دلالة كبرى لحجم التحول الذي تشهده المواقف الإقليمية للسودان ، حيث لا يمكن إغفال أن السودان كان أول بلد عربي يُحكم من جانب واحدة من حركات الإسلام السياسي منذ وصول “الجبهة القومية الإسلامية” إلى الحكم في عام 1989.
وظلت السودان منذ ذلك الحين ملاذًا لقيادات حركات إسلامية تعرضت للتضييق ، حيث نُظمت على أرض السودان مؤتمرات ولقاءات شاركت فيها حركات الإسلام السياسي من مختلف الدول العربية والإسلامية تحت مظلة ما عُرف وقتها بــ ”المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي” ، الذي تشكل بعد حرب الخليج الأولى وتولى رئاسته حسن الترابي.
التحول في الموقف الإقليمي للسودان
ولكن على الرغم من علاقة النظام الحاكم في السودان بجماعة الإخوان المسلمين، فإن تحوله ناحية النظام الجديد في القاهرة ارتبط بتحول أكبر في مواقف السودان الإقليمية حيث قرر الحزب الحاكم في السودان في عام 2014 ، عدم دعوة الإخوان المسلمين لحضور مؤتمره العام الذي يعقد في الخرطوم.
ومن جهته، قال رئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم الغندور في تصريحات صحفية: إن الحزب لم يوجه دعوة إلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية لحضور مؤتمره العام.
وأضاف الغندور نحن نوجه الدعوة للأحزاب وكان من المفترض أن ندعو حزب “الحرية والعدالة” ، إلا أن ذلك متعذر نتيجة ظروف الحزب، في إشارة إلى قرار حظره في مصر وسجن عدد كبير من قياداته.
أسباب التحول في الموقف الإقليمي للسودان
وفي الشأن ذاته ترتبط أسباب التحول في موقف السودان الإقليمي بالضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها السودان، وحاجتها إلى الانفتاح على القوى الإقليمية ، لتخفيف حدة العقوبات المفروضة عليها دوليًّا، والمساعدة في حل المشكلات التي لا تزال تواجه الدولة داخليًّا، نتيجة تعاونها مع جماعات الإسلام السياسي.
هذا ويبدو أن المشهد السوداني سيشهد تغييرات كبيرة، تتمثّل باتخاذ النظام الحاكم في الخرطوم مواقف حاسمة ، تجاه الحركات الإسلامية في الإقليم والعالم ، التي تعدّ جزءًا من أفكارها، وإن ظل ينفي مرارًا انضمامه لمنظومة التنظيم الدولي لجماعة “الإخوان المسلمين”.
فالتصريحات الأخيرة للرئيس السوداني عمر البشير في الإمارات، ووصفه التنظيم الدولي لـ”الإخوان المسلمين” بالمُهدِد، فتح الباب أمام تساؤلات حول تنصّل الخرطوم من حلفائها الاستراتيجيين، من الإسلاميين، وتقديمهم كقرابين تضحية لتحسين علاقاتها الإقليمية والدولية، خصوصًا أن الاتهامات ظلت تلاحقها طوال الفترة الماضية، برعاية ودعم الحركات الإسلامية ومساعدتها للوصول إلى السلطة في دولها.
وأكد البشير من الإمارات على رفضه القاطع لظهور الطابع الدولي لجماعة “الإخوان المسلمين” في السودان ، مشيرًا في الوقت نفسه إلى حق الدّول في اتخاذ ما تراه مناسبًا لخدمة أمنها واستقرارها، في إشارة لقرارات بعض دول الخليج، وبينها الإمارات في إدراج جماعة الإخوان المسلمين حركة إرهابية.
صفقة جديدة للسودان
وقال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ ، أستبعد أن تعمد الخرطوم هذه المرة إلى التخلي عن تحالفاتها مع الإسلاميين ، قبل أن تقبض ثمن ذلك عبر إحداث تحوّل حقيقي فيما يتصل بالحصار الاقتصادي المفروض عليها، بالإضافة إلى رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، باعتبار أنها سبق وقدّمت كثيرًا في هذا المجال ، من دون أن تجني أي مقابل.
وأضاف أبو الجوخ، لا أتوقع أن تتخلى السودان عن الإسلاميين بشكل كامل، وإنما سيضمن أن يكونوا في المشهد السياسي، لأخذ مصالحها وهو الدور الذي يمكن أن تلعبه في ليبيا ومصر.
من جهته، يرى القيادي في المؤتمر الشعبي السوداني المعارض أبو بكر عبد الرازق، أن سياسة السودان الخارجية ظلت تقوم على البراغماتية، الأمر الذي يدفع النظام لتقديم كل شيء من أجل تحقيق مصالحه المتمثلة في الاستمرار في السلطة.
وأشار عبد الرازق إلى أن علاقة النظام الحالي بالحركة الإسلامية ، ظلت تشهد تقاربًا وتباعدًا منذ العام 1999، إلى أن بدأت تشهد تحسّنًا بعد ثورات الربيع العربي، ووصول عدد من الإسلاميين إلى الحكم خصوصًا في مصر.
ونوّه عبد الرازق عن أنه بعد إزاحة الإسلاميين عن الحكم في مصر، عاد النظام السوداني إلى سياسة المصالح على حساب العلاقة مع الإخوان.
ويرى القيادي في المؤتمر الشعبي أن واشنطن تضغط لتحقيق مصالحها، باستخدام الخرطوم في ترويض الإسلاميين ، بالاستناد إلى علاقات السودان القديمة بالإسلاميين، حيث أن الخرطوم تمثّل مركز معلومات، فيما يتعلق بالجماعات الإسلامية التي احتضنتها في وقت من الأوقات.
التخلي عن جماعة الإخوان
هذا وأكدت قيادات في جماعة الإخوان المسلمين المصرية المقيمين في السودان في شهر فبراير الماضي أن السلطات السودانية أخبرتهم ، بضرورة مغادرة أراضيها بشكل سريع، ملتزمة في الوقت نفسه بعدم تسليمهم للسلطات المصرية، خاصة الذين صدرت بحقهم أحكام في قضايا سياسية.
وطبقا للمصادر ذاتها ، فإن هذا الإجراء خاص بالإخوان فقط، ولا يشمل باقي الجالية المصرية الموجودة في الأراضي السودانية.
وأضافت القيادات أنه تم التوصل مع القيادات السودانية لمنحهم فرصة لترتيب أوضاعهم ، كما سيتم السماح للطلاب الذين يدرسون في الجامعات هناك بالبقاء لحين انتهاء الفصل الدراسي الحالي.
يشار إلى أن القاهرة قد وعدت الخرطوم بدعمها في الأزمة الاقتصادية التي تمر بها ، وجاءت الوعود على شكل دعم سوف تقدمه الإمارات والسعودية والكويت للنظام السوداني مقابل طرد جماعة الإخوان من البلاد. (وال – القاهرة) هــ ع/ ع م