بنغازي 04 يونيو 2025 (الأنباء الليبية) ـ تقف “قشلة بنغازي” شامخة في قلب مدينة بنغازي القديمة، حاملةً على جدرانها العتيقة ملامح من تاريخ سياسي وعسكري امتد لأكثر من قرن، رغم ما ألمّ بها من إهمال وتآكل طال هيكلها ومعالمها، فإنها لا تزال تصارع النسيان، بانتظار مشروع وطني يُعيد إليها مجدها كمعلَم حضاري وثقافي.
القشلة، وهي كلمة تركية تعني “الثكنة العسكرية”، شُيّدت أواخر العهد العثماني لتكون مركزًا لإدارة شؤون الجيش، ثم استخدمها الإيطاليون إبان الاحتلال قاعدة عسكرية، قبل أن تتحول إلى مقر إداري، لتُهمل لاحقًا بعد الاستقلال.
وتقع القشلة في وسط مدينة بنغازي، وتُعد من أقدم الأبنية الإدارية، حيث تتميز بتصميم معماري فريد يمزج بين الطابع العثماني الكلاسيكي واللمسات الإيطالية التي أضيفت لاحقًا، مما يجعلها رمزًا حيًا لفترة تاريخية مزدوجة من الحكم والتنظيم الإداري.
غير أن هذا المعلم التاريخي، شأنه شأن العديد من المباني القديمة في المدينة، تدهور حاله بعد أحداث عام 2011، فتساقطت أجزاء من أسقفه، وتآكلت جدرانه، وتعرضت بعض محتوياته للسرقة، دون أن يشمله أي مشروع رسمي حقيقي للترميم.
وفي محاولة لإنقاذه، نظّمت الأستاذة إيمان المازق، عضو هيئة التدريس بقسم العمارة وتخطيط المدن بجامعة بنغازي، ورشة عمل بالتعاون مع عدد من الأكاديميين والمهتمين بالتراث العمراني، إلى جانب جهاز المدينة القديمة.
وفي تصريح لوكالة الأنباء الليبية، قالت المازق إن “القشلة ليست مجرد مبنى قديم، بل هي جزء من ذاكرة بنغازي، وشاهد حي على تعاقب الحضارات والإدارات وترميمها ليس رفاهية، بل ضرورة ثقافية وتاريخية.”
واستعرضت الورشة الحالة المعمارية والإنشائية للمبنى، وقدمت مجموعة من المقترحات لإعادة إحيائه، من بينها تحويل القشلة إلى متحف أو مركز ثقافي يحتضن أنشطة ثقافية ويعزز الهوية الليبية. وفقاً لتصريحات المازق.
كما عرضت الورشة نماذج دولية ناجحة لترميم مبانٍ مماثلة، مثل أسواق حلب القديمة بعد الحرب، بهدف الاستفادة من تلك التجارب.
ـ القشلة بين الواقع والطموح
وبينما تتواصل الدعوات الأكاديمية والشعبية للحفاظ على القشلة، يبقى مستقبلها مرهونًا بإرادة مؤسساتية حقيقية تعيد لها مكانتها كمعلم تاريخي وركيزة من ركائز الذاكرة الجماعية لمدينة بنغازي، وتعكس احترام الدولة لماضيها. (الأنباء الليبية – بنغازي) ه ع
متابعة: نور الهدى طاهر
