بنغازي 22 أبريل 2025 (الأنباء الليبية) –في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة في ليبيا، يبرز عزوف الشباب عن الزواج كظاهرة متنامية تنذر بتحولات عميقة في بنية المجتمع.
التقرير التالي رصد أبعاد هذه الأزمة من خلال شهادات واقعية ومعطيات رسمية، محاولا استكشاف الأسباب والحلول الممكنة.
-سكن يبدد الأحلام
داخل ورشة متواضعة في أحد أحياء بنغازي، يقف الشاب سالم، ابن التاسعة والعشرين، وقد غلبه الإحباط بعد أن اصطدم حلمه البسيط بحاجز صلب: أزمة السكن، رغم اتفاق العائلتين ووجود شريكة حياة مناسبة، اضطر للتخلي عن فكرة الزواج بسبب عجزه عن توفير مسكن مستقل، في ظل عدم القدرة على الاستئجار، وضيق منزل العائلة الذي يفتقر إلى الخصوصية.
هذه الحالة ليست فريدة، بل تتكرر يوميا مع مئات الشباب، ما يكشف مدى عمق الأزمة.
في الوقت الذي تؤكد فيه الأرقام الرسمية هذا الاتجاه، حيث أشار رئيس مصلحة الأحوال المدنية ببنغازي خالد الطويل، إلى أن المدينة التي يقطنها أكثر من 1.2 مليون نسمة، لم تسجل سوى 40 ألف عقد زواج خلال السنوات الثماني الماضية، تراجع وصفه بـ”المؤشر الخطير”، داعيا إلى تدخل حكومي عاجل لمعالجته.
-الطلاق يعمّق الأزمة
المثير للقلق أن أزمة السكن لا تكتفي بإعاقة الزواج، بل تتسبب أيضا في ارتفاع معدلات الطلاق، حيث أكد الطويل أن 67 في المائة، من حالات الانفصال ترتبط بشكل مباشر بغياب السكن العائلي المناسب.
فــ”بيت العائلة”، الذي كان ملاذا في الماضي، تحول اليوم إلى مصدر ضغط نفسي ومشاكل أسرية مستمرة، هذا التدهور في العلاقات الزوجية دفع بمؤسسات مثل “اليسر” الخيرية إلى دق ناقوس الخطر.
رئيس المؤسسة عبد الجليل الفزاني، كشف أن ليبيا تصدرت قائمة الدول العربية في نسب الطلاق، واحتلت المرتبة 18 عالميا في عام 2024، واستعدادا لذلك، أعلنت المؤسسة تنظيم ندوة علمية تحت عنوان “تداعيات الطلاق وسياسات المواجهة”، بهدف دراسة الظاهرة وطرح حلول عملية، بينما تسعى أكاديمية اليسر إلى دعم المقبلين على الزواج عبر دورات توعوية وتأهيلية تغطي الجوانب النفسية والدينية والاجتماعية.
-واقع يحتاج لتغيير
يرى العديد من الباحثين أن العامل الاقتصادي هو الجذر العميق للأزمة. الباحثة الاجتماعية إلهام وصفت الوضع بقولها: “الغلاء الفاحش، البطالة، وتدني الأجور خلقت حاجزا نفسيا وماديا أمام الشباب”.
وأضافت أن بعض المتزوجين ينقلون تجارب سلبية تجعل الزواج يبدو عبئا بدل أن يكون حلما، فتكاليف الزفاف، الأثاث، والهدايا باتت تتجاوز قدرات أغلب الشباب، محولة خطوة الزواج من استقرار إلى مصدر قلق دائم.
وتختتم، من هنا، فإن إعادة تشكيل ثقافة الزواج لتكون أكثر واقعية وأقل تكلفة، بالتوازي مع تحسين الظروف الاقتصادية، يشكل ركيزة أساسية لأي حل مستدام.
بالتالي الزواج في ليبيا لم يعد قرارا شخصيا فقط، بل معركة مع واقع اقتصادي مرير. توفير السكن والدعم النفسي والاجتماعي هو مفتاح فتح أبواب الأمل أمام الشباب لبناء مستقبلهم.
-عوامل نفسية واجتماعية
ترجع أسباب عزوف بعض الفتيات عن الزواج إلى مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية التي تتداخل وتؤثر بشكل مباشر على قراراتهن. فالنشأة العائلية السلبية، مثل الطفولة في أسرة مضطربة أو حالات طلاق متكررة، تزرع صورة قاتمة عن الحياة الزوجية. كما يؤدي الخوف من المجهول والقلق من المسؤوليات الزوجية إلى تردد الفتاة في الإقدام على هذه الخطوة.
-رغبة الاستقلال الذاتي
تسعى العديد من الفتيات للحفاظ على الحرية الشخصية وتحقيق الطموحات المهنية والتعليمية، ما يجعلهن يرفضن أي علاقة قد تعيق تطورهن، كما تلعب التجارب السلبية التي تسمعنها عن فشل العلاقات أو العنف الأسري دورا كبيرا في تشكيل قناعاتهن.
-تأثيرات مجتمعية متغيرة
ارتفاع سقف التوقعات من الشريك، مع التخوف من تحكم الرجل، يجعل الكثير من الفتيات يفضلن العزوف، إلى جانب ذلك، ساهمت الفرص التعليمية والوظيفية المتزايدة في تقليل الاعتماد على الزواج كخيار وحيد.
وترى مديرة مكتب الخدمة الاجتماعية والصحة المدرسية والإرشاد النفسي بمراقبة بنغازي رندا السنوسي، أن التنشئة الأسرية السليمة هي الأساس في بناء وعي ناضج تجاه الزواج وتكوين أسرة ناجحة. ( الأنباء الليبية بنغازي) س خ.
-تقرير: حنان الحوتي